الفلسطيني أبو شقرة.. سائق "الجرار" الذي أصبح تاجرا وصناعيا كبيرا


لم يكن رجل الأعمال الفلسطيني رأفت أبو شقرة ليستسلم بسهولة لقرار السلطات الإسرائيلية بإغلاق ورشة تجارة مواد البناء الخاصة به بحجة عدم الترخيص، فتوجه إلى المحاكم يحمل إصرارا شديدا على مقاومة القرار، فكان له ما أراد، فصدر حكم قضائي بمنع إغلاق الورشة وبمنحه رخصة رسمية لإدارتها.


وترك هذا الموقف على أبو شقرة -الذي يقطن في مدينة أم الفحم داخل الخط الأخضر (1948)- أثرا بالغا وكذلك على عمله وأدائه؛ حيث يقول لـ"الأسواق نت" "إن هذا الموقف جعلني أرفض الخنوع والاستسلام للمضايقات، فالمؤسسة الحاكمة تستخدم حجة عدم حصول أرباب العمل على تراخيص لتضيق على كل ما هو عربي في هذه البلاد، لمنعنا من التقدم إلى الأمام في كل مجالات الحياة".

الولادة ومنهل التعليم الأول

اجتهد أبو شقرة في العمل وتوفير المال، دون أن يكون جهده وقته على حساب عائلته واصحابه. فكان معروف عنه ان يعطي كل شيء حقه، وهو ما جعله محبوبا ومحط تقدير واحترام من الجميع


ولد رأفت زهدي أبو شقرة عام 1951 في مدينة أم الفحم، وتلقى تعليمه الأساسي في مدارسها، لكنه كبقية أقرانه واجه صعوبات جمّة في إكمال المرحلة الثانوية في مدينته بسبب الأوضاع السياسية التي مرت بها فلسطين في ذلك الوقت وعدم وجود مدرسة ثانوية، فكان عليه السفر إلى المدن المجاورة وخاصة مدينة "العفولة"، ومع هذا فقد اضطر وبسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة في تلك الأيام لانهاء تعليمه في الصف العاشر.


يقول أبو شقرة "بعد ذلك توجهت إلى سوق العمل وأنا في السابعة عشرة من عمري؛ حيث عملت في مدينة "تل أبيب" في مجالات مختلفة، وقد حرصت على توفير كل مبلغ من المال أحصل عليه، لتحقيق أمنيتي في التجارة بالأدوات الكهربائية وبيع مستلزمات التلفزيونات".


وبالفعل اجتهد أبو شقرة في العمل وتوفير المال، دون أن يكون جهده وقته على حساب عائلته وأصحابه، فكان معروفا عنه أن يعطي كل شيء حقه، وهو ما جعله محبوبا ومحط تقدير واحترام من الجميع.

وشكل عام 1970 نقطة الانطلاق الحقيقة لأبي شقرة، فقد بدأ فعلا بتجارة التلفزيونات وتوابعها، وبعد ذلك بأربع سنوات اتجه مع والده للعمل بالتجارة في مواد البناء والحديد الصلب؛ حيث قاما بتأسيس ورشة خاصة بهم في هذا المجال، كانت من أوائل الورش في الوسط العربي.


ولم يكن هذا الإنجاز سهلا ومريحا؛ حيث يقول أبو شقرة "أتذكر جيدا كيف كنت أرسل مواد البناء إلى بيوت القرية (أم الفحم قبل أن تصبح مدينة) بواسطة التراكتور الذي كان كذلك بمثابة واسطة التنقل لي ولوالدي من البيت إلى العمل وبالعكس، وخلال أقل من عام كان لدينا ما يقارب من عشرة عمال وسمعة طيبة لدى الأهالي والزبائن.


إنجازات متتالية

ولم تكن هناك حدود لطموح أبو شقرة، فهمّته العالية وإنجازته المتتالية دفعته عام 1978 لتأسيس أول مصنع للمشروبات الخفيفة، ليكون الأول في هذا المجال في البلاد، ومنذ ذلك الحين حتى اليوم يحمل المشروب اسم العائلة، وهي "شراب أبو شقرة".

وتوالت الإنجازات، ففي عام 1989 كان أبو شقرة السبَّاق في الوسط العربي لشراء أول خط لإنتاج أكياس "STANDUP" تحت اسم "فروتي أبو شقرة"، وعن هذا يقول أبو شقرة "حتى أن المصانع المنافسة التي تصنع هذا المنتوج باتت تسميه باسم أكياس أو منتوج "فروتي" نسبة إلى منتوجنا الأصلي".

ويتابع "في عام 2002 بدأنا بتصنيع منتوج جديد، ألا وهو القهوة العربية (البن)، تحت مسمى "قهوة الباشا"، والتي تنتج بأحدث الماكينات العالمية.. وبحمد الله كان لها رواج واسع في بلادنا وفي بعض الدول التي نصدر لها، إما تحت اسم "قهوة الباشا"، أو بطريقة إنتاج لشركات أخرى تحت اسمها الخاص "Private Label".

اقتصاد فلسطينيي 48

وعن تقييمه للاقتصاد الفلسطيني في الأراضي المحتلة ومكانته في الاقتصاد العام لدولة الاحتلال، فيؤكد أبو شقرة على وجود العديد من الصعوبات والعراقيل التي تضعها المؤسسه الحاكمة والمستهلكين في الوسط اليهودي على الشركات والمؤسسات الفلسطينية في إسرائيل؛ حيث يقول "المؤسسة الحاكمة تتعامل معنا كعرب درجة أدنى منهم، فلا تساعد المصانع العربية كما نلمس ذلك لدى المصانع في الوسط اليهودي، كما إنها لا تفسح لنا المجال لنتقدم، مدللا على ذلك بمدينته أم الفحم؛ حيث يقول "حتى اليوم في مدينتنا والتي يبلغ تعداد سكانها تقريبا 45 ألف نسمة لا يوجد منطقة صناعية تلائم احتياجات المصانع والشركات".

ويتابع "السوق العربية في فلسطين 48 صغير نسبيا، فتعداد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر نحو مليون و200 ألف نسمة، ولهذا نحن كمصنعين يجب علينا أن نبحث عن أسواق أخرى، ولكن هناك صعوبات تواجهنا في التسويق بسبب مكاننا الجغرافي، فلو أردنا أن نسوق بضاعتنا إلى الدول العربية على سبيل المثال؛ حيث يجب علينا أن نكتب أن بلد المنشأ هي "إسرائيل"، وهذا طبعا يؤدي إلى أن المنتوجات لن تسوق جيدا هناك، ومن ناحية ثانية إذا أردنا أن نصدر منتوجاتنا إلى الضفة الغربية وقطاع غزة فهناك عراقيل أيضا أهمها الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعانيه الاقتصاد الفلسطيني هناك، مما يجعل السوق يطلب منتوجات رخيصة جدا، الأمر الذي لا يتناسب مع التكاليف التي ندفعها".

قيم ومبادئ

ويعيد أبو شقرة الفضل في ما وصل إليه إلى والده؛ حيث يقول "لوالدي -رحمه الله- دور هام في حياتي، فبعد وفاة والدتي وأنا في سن السادسة حاول دائما أن يعطيني الثقة بنفسي وأن أحاول لوحدي الدخول إلى عالم التجارة وتحمل المسؤولية، كما زرع في داخلي قيم عظيمة أهمها الصدق والأمانة مع الناس وحب العمل".

كما يؤمن أبو شقرة بقيم ومبادئ عدة، على رأسها القناعة، فيقول "هي كنز لا يفنى"، كما أجتهد قدر الإمكان أن أكون سهل المعاملة مع الغير، ويضيف "كثيرة هي الصعوبات التي تواجه الإنسان في حياته، فهذه هي سُنّة الحياة، لكن بالتوكل على الله والإيمان بأن "مع العسر يسرا" ووضع أهداف نصب أعيني أسعى لتحقيقها أتجاوزها وأواصل سيري نحو الأمام".

وعن أهم النصائح التي يوجهها لرجال الأعمال المبتدئين، يقول "عليهم أن يدركوا أن نجاح كل عمل مرتبط بالأمانة والاتقان، فالأولى هي أساس النجاح واتقان العمل يؤدي إلى إرضاء الزبائن. وكذلك يجب على كل مبتدئ أن يفكر في التجديد، فنحن في عالم السرعة والتجديد، والمستهلك يتطلع دوما ويبحث عن كل ما هو جديد".

المصدر العربية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اجمل ماقرأت من الحكم

اليوم بالجزمة بكرة بالقبقاب