السعودي حمد بن سعيدان.. نصف قرن في العقار والبداية ببيع بيته


لرياض- مدحت السيد

نشأ عقاريًا بحكم عمله مع والده الذي كان يساعده بشكلٍ يومي في مكتبه العقاري بعد انتهاء فترة الدوام الحكومي، وفي عام 1382هـ (1962) عُرض عليه منزل شعبي بستة آلاف وخمسمائة ريال، لم يكن يملك كامل القيمة، على الرغم من أنه كان يوفر جزءًا من الراتب، وباع ما لدى زوجته من ذهب، واقترض من بعض المعارف واشترى البيت (الدولار يساوي 3.75 ريالات).

كان هذا أول بيت يمتلكه الشيخ حمد بن سعيدان رئيس مجلس إدارة مجموعة حمد بن سعيدان العقارية، وقام بترميمه حتى أصبح في صورة حسنة، ولكن قبل أن ينتقل إلى السكن فيه عرض عليه مبلغ أكثر من تكلفته فباعه.

عودة للأعلى

البداية بثمن البيت

بدأ بن سعيدان عقاريًا بسيطًا إلى أن تولى رئاسة مجموعة من الشركات في داخل المملكة وخارجها في مصر والأردن وسويسرا والسودان وتونس وسورية وتركيا (يرأس الشيخ حمد 6 شركات عقارية، ويشارك في عضوية مجالس إدارات 5 شركات، كما كان عضوًا سابقًا في مجالس إدارات 6 شركات أخرى، وساهم في تأسيس 12 شركة وطنية، و10 شركات دولية).

ويقول الشيخ حمد في حديثٍ لـ"الأسواق.نت": اتفقت مع ابن خالتي عبد الله بن حسين المسعري على أن نشترك في شراء قطعة أرض في حي البديعة، واشتريناها وبعد مدة بعناها، واشتريت بما آل إليَّ من ثمنها أرضًا أخرى بمبلغ 5 آلاف ريال في حي الحبونية الذي كان مرغوبًا للسكن في ذلك الوقت بسعر 7 ريالات للمتر من عبد الله بن سرحان.

صادف أن اشترى في الحي نفسه كلٌّ من محمد بن علي بن خميس، وعبد الله بن عبد العزيز بن خميس، وفهد بن عبد الرحمن بن خميس، وهم من أنسابه، واتفقوا على فتح صندوق مشترك يوفرون فيه ما يستطيعون لبناء مساكن من الأسمنت المسلح بصورةٍ جماعية بهدف توفير النفقات والتكاليف.

على الرغم من أن تكلفة بناء البيت مع قيمة الأرض ناهزت 30 ألف ريال، فإن حب وتعلق الشيخ حمد بتجارة العقار دفعه لبيع البيت والمضاربة بقيمته، وهكذا باع الشيخ بيته وعاد بعائلته مرة أخرى إلى بيت مستأجر، وبدأ رحلته مع تجارة العقار بثمن البيت، وعايش كل المراحل التي مر بها العقار من ركود وانتعاش منذ نحو 80 عامًا (1373هـ - 1953) وهو العام الذي شهد انتعاشًا استمر حتى عام 1378هـ (1958) ثم حدث انكماش انخفض بسببه سعر المتر المربع في الخزان في وسط البلد (وسط العاصمة الرياض) من 30 ريالاً إلى 5 ريالات أو 6 ريالات، وبدأ انتعاش آخر في عام 1388هـ (1968) وهو الذي أغراه بالتفرغ من العمل الحكومي لتجارة العقار.

عودة للأعلى

مؤسسة برأسمال 5 آلاف ريال

في عام 1388هـ تفرغ السعيدان للعمل العقاري، وافتتح مؤسسة برأسمال قدره 5 آلاف ريال بمشاركة زملائه الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سليمان الراشد الذي كان يعمل مدرسًا للقرآن الكريم في مدرسة بن سنان، والشيخ محمد ناصر الجماز وهو موظف حكومي، وكانا يشتغلان في العقار في حدود ضيقة، فتشاركوا في شراء بعض قطع الأراضي وبيعها، واختاروا للمؤسسة اسم "مؤسسة بدر التجارية العقارية" تيمنًا بغزوة بدر الكبرى.

كان مقر المؤسسة في شارع اليرموك في حي البديعة في الرياض، وهي عبارة عن دكانين مؤجرين من طابق أرضي في إحدى العمائر، وتقرر -والكلام للسعيدان- "أن تكون المؤسسة بإدارتي وجئت لها بمحاسب ومساح، ورسمت طريقتي في العمل التي كانت تقوم على شراء عقارات كبيرة بأسعار رخيصة نشرك فيها مساهمين من المواطنين بحسب إمكاناتهم حتى تسدد قيمة الأراضي للملاك، ويتولى مكتبنا في كل مساهمة دفع عربون من قيمة الأراضي للمالكين، ويستخرج عقدًا شرعيًا للمبايعة قبل الإفراغ، وبعد أن تستكمل القيمة نقوم بإفراغ الموقع وتخطيطه، ثم نقوم بعرضه على أمانة مدينة الرياض لدراسته واعتماده وبعدئذ نقوم ببيعه، وتوزع الأرباح على جميع المساهمين بعد خصم المصروفات والعمولة المقررة للمكتب".

عودة للأعلى

طرق جديدة للإعلان

ابتكر السعيدان وشركاؤه وسيلةً لجذب الناس عبر الإعلان في الصحف، على الرغم من أن الناس كانوا لا يقبلون في ذلك الوقت على الإعلان لهذا النشاط، ولكن بالطريقة نجحنا، وكان الإعلان سببًا في إقبال الناس.

يضيف السعيدان: "تحسنت أحوالنا قليلاً وانتقلنا بمؤسسة بدر من البديعة إلى شارع الخزان، واشتهرنا حتى صار كبار العقاريين في الرياض يأتوننا، ومنهم عبد الرحمن بن عثمان، ومحمد بن سيار، هكذا شرعنا في شراء الأراضي الخام وتخطيطها، وفتحنا الباب أمام أصحاب الدخل المحدود من المواطنين لتنمية مدخراتهم في مساهمات الأراضي، وكنا نقبل من أي مواطن أي مبلغ يريد استثماره ولو كان قليلاً كألف ريال مثلاً".

توالت الاستثمارات وكبرت مشاريع السعيدان وشركاه، لكنه يوضح "قبل بدايتي كان لي وقفة مع معلمي الأكبر وهو والدي، حيث بدأت العمل معه وتزامن ميلادي مع الفترة التي بدأت الرياض فيها تشهد بواكير التوسع والتمدد خارج أسوارها، حيث أقيمت أحياء الفوطة، والشمسية، والمربع في مناطق المزارع بين قصور المربع وأسوار المدينة، كما ظهر حي الحلة إلى الشرق من وادي البطحاء، وظهر حي حلة القصمان بعده، وفي الاتجاه الغربي ظهر حي أم سليم، والشميسي، وفي الجنوب ظهر حي عتيقة".

عودة للأعلى

أسرة لا تعرف الكهرباء ولا شبكات المياه

كانت سمة الفقر غالبة على الجميع تقريبًا، الأسرة الكبيرة تسكن في مساحة 100 متر مربع من الأرض، وشوارع المدينة لا يتجاوز عرضها في أحسن الأحوال أربعة أمتار، لا نعرف الكهرباء ولا شبكات المياه، بل يشرب أهل الرياض من بئر تسمى "فيصلة" ومن الواديين المحيطين بالمدينة وهما وادي حنيفة ووادي الوتر في البطحاء، وفي هذه البيئة تعيش أسرة السعيدان، التي كانت من حيث الحجم أسرة كبيرة، وذلك لتعدد الأبناء والبنات وتعدد زوجات الوالد (خمسة ذكور بخلاف البنات)، وكان ترتيب الشيخ حمد هو الثالث، يكبر عبد الله ثم فهد ويصغر إبراهيم ثم عبد العزيز -يرحمه الله- ومن حيث مورد المعاش ليس لهذه الأسرة إلا ما يدخل من كدِّ الوالد الذي كان يعمل في مهنة النقل بين الرياض والقرى القريبة منها وأحيانًا إلى مكة المكرمة، ومهنة النقل مهنة آبائه وأجداده؛ حيث كان الآباء يمتهنون الجمالة وهي النقل بالجمال، وحين تحسنت الوسائل أصبح النقل بالسيارات، ورغم أن مهنة الوالد كانت تدر عليه دخلا جيدًا إلا أنه لم يكن كافيًا للأسرة.

ما لبث الوالد أن تحول من مهنة النقل إلى مهنة بيع البز (الأقمشة) فترة من الزمن، ثم انتقل إلى تعمير البيوت بالطين وبيعها، واشتهر بهذه المهنة في المدينة، ووثق به الناس لما عُرف عنه من سماحة ووفاء وصدق معاملة، ونتيجة لهذه الثقة فقد كُلف من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية بشراء بعض البيوت للأوقاف، كما حظي بتوكيله على التأجير.

و"كان بناء البيوت في ذلك الوقت بالطين واللبن -والحديث للشيخ حمد- ثم أدخلت تحسينات بالتأسيس على الحجر والجص والإسمنت، ثم أضيف بعد فترة خشب يسمى "الدنكل" وهو خشب يشبه الأثل، وبعد الدنكل حلت "المرابيع" محله وهي خشب جاوي، فرغبته الناس لجاذبيته وطراوته وظل سائدًا حتى حصلت تغيرات جذرية في عملية البناء من خلال البناء بالمسلح، الذي أدخله العمال السوريون واللبنانيون في أوائل التسعينيات الهجرية".

وعمَّر الوالد المباني في حي "القرى" جنوب شارع طارق بن زياد الآن، ثم "المليحة" التي هي مقر شركة الرياض للتعمير حاليًا، كما عمل مقاولاً في بناء قصور الحنبلي بين "العطايف" و"السويلم" شمال "المعيقلية"، وفضل أن يزاول مهنة العقار، ويعود سبب توجهه إلى ذلك لما كان له في ذلك الوقت من اتصال بالعقاريين في المدينة، أمثال الشيخ عبد الرحمن بن عثمان، الشيخ محمد بن علي بن سيار، الشيخ عبد الله بن نوح، الشيخ عبد المحسن بن سويدان، الشيخ علي بن خميس، الشيخ رائد بن دايل، الشيخ عودة بن عبد الله بن عودة، الشيخ محمد القصيبي، الشيخ محمد أبو شنق، الشيخ سليمان المقيرن، الشيخ عبد الله بن ثنيان العبيكان، الشيخ محمد بن عتيق، الشيخ سالم بن نوح، الشيخ ناصر بن ثنيان، الشيخ عبد الله بن ناصر بن سرحان، وغيرهم.

عودة للأعلى

شراء العقارات الكبيرة

كان لهؤلاء في ذلك الوقت مكتب يعرف باسم "الشراكة"، متخصص بشراء العقارات الكبيرة من بساتين ومزارع، لتقسيمها إلى قطع سكنية يفتحون فيها مساهمات للأهالي، ويجلس فيه أصحاب "الشراكة" يوميًا للبيع والشراء، إلا أن هذا المكتب لم يكن شركة رسمية بالمعنى الحرفي -كما يُعرف من شركات المساهمات الآن- حيث إنه أنشئ قبل تأسيس السجلات التجارية، وبدأ نشاطه من أوائل الستينيات الهجرية في عهد الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- وكان مكتب الشراكة يقوم بتنظيم الأراضي وفتح شوارعها بمعرفته بعرض أربعة أمتار وثلاثة أمتار، وبعض الشوارع غير نافذة وتقسيمها على قطع صغيرة بمساحات مختلفة، من 60 مترًا مربعًا أو 100 متر مربع، وأكبر قطعة سكنية وقتها كانت مساحتها 200 ذراع.

بعد تقسيم الأرض يبيع أصحاب الشراكة على الناس في المزاد العلني ويسمى "الحراج"، وإذا اشترى الناس فإنه لا يتم مطالبتهم بالتسديد في الحال، لأن النمو قليل والناس ليس لديهم القدرة على السداد الفوري، فيعطي لهم المكتب مهلة حتى يبدأ البناء وينتشر في الحيِّ، وعندئذ يطالبونهم وتتم تصفية المساهمة، وقد يحال المساهم ليأخذ من أحد المشترين رأسماله وربحه، ويقبل المساهم التحويل عادة ويلتزم به أغلب الناس دون الحاجة إلى القضاء، ولو أنكر المشتري فإن القاضي يطلب من مكتب الشراكة إثبات البيع بالشهود، باعتبار أن دور المكتب تثبيت البيع، وحينئذ يحكم القاضي على المشتري لصالح المساهم.

استمر مكتب "الشراكة" في هذا النشاط بلا منافس لمدة 20 سنة تقريبًا، والعقاريون يتضامنون معه حتى تاريخ إقرار أنظمة الدولة في السبعينيات الهجرية، ومنها نظام البلديات وانتقال الوزارات إلى الرياض، ولم يعد مكتب "الشراكة" مسؤولاً عن التخطيط الذي أصبح من مسؤوليات البلدية، وهي التي قامت بزيادة عرض الشوارع إلى ثمانية أمتار لأول مرة في تخطيط حي منفوحة عند تأسيسه، ثم زيدت الشوارع إلى عشرة أمتار واستمر التطور الحضري، وأصبح أقل عرض للشوارع ستة أمتار.

وظل والد الشيخ حمد يدخل مع مكتب الشراكة في المساهمات العقارية حتى أسس مكتبه العقاري في حي دخنة، وهو الذي انطلق فيه بالبيع والشراء وفتح المساهمات في الأراضي وبيعها في مختلف نواحي المدينة، وعاصر فيه التطور والنقلة من البيوت البسيطة إلى الفلل والعمائر.

عودة للأعلى

دراسة ليلية ومساعدة الوالد نهارًا

في هذا المحيط المكافح نشأ الشيخ حمد وإخوته، لذا فقد كان الوالد حريصًا على تعليمهم وعملهم وهما لا يتأتيان إلا بالجد والاجتهاد، كما أخرجهم الوالد مبكرين إلى العمل وهم لا يزالون بعد في المدارس الابتدائية، لزيادة الدخل من أجل مساعدته على الإنفاق على الأسرة، فكان الأبناء يدرسون في المدارس الليلية ويعملون بالنهار في مساعدته على بناء البيوت، وذلك بجلب الماء للموقع وجلب الطعام للعمال وغير ذلك.

لم يكن الوالد شديدًا مع أبنائه إلا فيما يتعلق بالدراسة أو العمل، فقد توفيت الوالدة -رحمها الله- وعمر الشيح حمد ثماني سنوات، وحزن الأبناء على فقدها كثيرًا، ولكن رعاية الوالد واهتمامه الدائم بهم عوضهم عن فقدها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اجمل ماقرأت من الحكم

اليوم بالجزمة بكرة بالقبقاب